الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال زهير بن أبي سلمى: قال: فأخبرني عن قوله: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون} ما تصغي؟ قال: ولتميل إليه. قال فيه الفطامي: قال: أخبرني عن قوله: {وليقترفوا ما هم مقترفون} قال: ليكتسبوا ما هم مكتسبون فإنهم يوم القيامة يجازون بأعمالهم. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول:
فقوله: لتُغْني جواب القَسَم، فقد ظَهَر أن هذا القَائِل يَقُول بكونها لام كي، غاية ما في الباب أنَّها وقعت مَوْقِع جواب القَسَم لا أنَّها جوابٌ بِنَفْسِها، وكُسِرَتْ لمَّا حُذِفَتْ منها نون التَّوكيد، ويدلُّ على فساد ذلك، أنَّ النُّونَ قد حُذِفَتْ، ولامَ الجواب بَاقِية على فَتْحِها، قال القَائِل في ذلك: [الطويل] فقوله: لَيَعْلَمُ جوابُ القَسَم الموطَّأ له باللاَّم في لَئِنْ ومع ذلك فَهِي مَفْتُوحة مع حَذْفِ نُونِ التَّوْكِيد.والضَّمِير في قوله: مَا فَعَلُوه وفي: إليه يَعُود: إمَّا على الوَحْي، وإمَّا على الزُّخْرُف، وإما على القَوْل، وإمَّا عَلَى الغُرُور، وإمّا على العداوة؛ لأنَّها بمعنى: التَّعَادي.ولتصغى أي تميل وهذ المادَّة تدل على الميْل، ومنه قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، وفي الحديث: فأصْغى لها الإنَاء وصاغِيَةُ الرجل: قَرَابَتُه الَّذِين يَمِيلون إليه، وعين صَغْوى أي: مائِلَة، قال الأعْشَى: [الطويل] والصَّغَا: مَيْلٌ في الحَنَك العَيْن، وصغت الشمس والنجوم: أي مالت للغُرُوب.ويقال: صَغَوْتُ، وصَغِيتُ وصَغَيْتُ فاللاَّم واو أو ياء، ومع الياء تُكْسَرُ عين المَاضِي وتُفْتَحُ.قال أبو حيَّان: فَمَصْدر الأوَّل صَغْوٌ، والثَّاني صُغيُّ والثالث صَغًا، ومضارِعُها يَصْغَى بفتح العين.قال شهاب الدِّين: قد حَكَى الأصْمَعِيُّ في مصدر صَغَا يَصْغُوا صَغًا، فليس صَغًا مُخْتَصًا بكونه مَصْدًا لصَغِي بالكَسْر.وزاد الفرَّاء: صُغِيًا وصُغُوًا بالياء والواو مُشَدَّدتين، وأما قوله: ومُضارِعُها، أي مُضارع الأفعال الثلاثة: يَصْغَى بِفَتْح الغين فقد حكى أبُو عُبَيْد عن الكسَائِي: صَغَوتُ أصْغُو، وكذا ابن السِّكِّيت حَكَى: صَغَوتُ أصْغُو، فقد خَالَفُوا بين مُضارعِها، وصَغَوْتُ أصْغُو هو القياس الفَاشِي، فإن فعل المُعْتَل اللاَّم بالواو قِيَاس مُضَارعه: يَفْعُل بضمِّ العَيْن.وقال أبو حيَّان أيضًا: وهي- يعني الأفعال الثلاثة- لازمة أي: لا تتعدَّى، وأصْغَى مثلْها لازم، ويأتِي متعدِّيًا، فتكون الهَمْزَة للنَّقْل، وأنشد على أصْغَى اللاَّزم قول الشاعر: [البسيط] قال شهاب الدِّين: ومثله قول الآخر: [البسيط] وفي الحديث: فأصْغَى لها الإنَاء وهذا الذي زَعَمه من كَوْن صغَى، أو صَغِيَ، أو صَغًا يكون لازمًا غير مُوافَقٍ عليه، بل قد حَكى الرَّاغب أنه يُقَال: صَغَيْتُ الإنَاء وأصغَيْتُه وصَغِيت بكسر الغَيْن يُحْتَمل أن يَكُن من ذَوَات اليَاءِ، ويُحْتَمل أن يكُون من ذَواتَ الواوِ، وإنَّما قُلِبَت الواوُ ياءً؛ لانكسار ما قَبْلَها؛ كقَوِي، وهُو من القُوَّة.وقراءة النَّخْعِي، والجَرَّاح بن عبد الله: {ولِتُصْغَى} من أصغَى رباعيًا وهو هُنا لاَزِم.وقرأ الحسن: {وَلْتَصْغى} {وليَرْضَوْه ولْيَقْتَرِفوا} بسكون اللاَّم في الثَّلاثة، وقال أبو عمرو الداني: قراءة الحَسَن إنَّما هُو: {ولِتَصْغِي} بكَسْر الغَيْن.قال شهاب الدِّين: فتكون كقراءة النَّخَعِيِّ.وقيل: قرأ الحسن: {ولتصغي} بكَسْر اللاَّم كالعامَّة، ولْيَرْضوه ولْيَقْتَرِفوا بسكون اللاَّم، خرَّجوا تَسْكين اللاَّم على أحَدِ وَجْهَين: إمَّا أنها لام كي، وإنَّما سُكِّنَتْ إجراءً لها مع بَعْدها مُجْرى كَبِد، ونَمِر.قال ابن جِنِّي: وهو قَوِيٌّ في القِيَاس، شاذٌّ في السَّماع.والثاني: أنَّها لام الأمْر، وهذا وإن تَمشَّى في {لِيرْضَوْه ولِيَقْتَرِفوا}: فلا يتمشَّى في: {ولِتَصْغى} إذ حرف العلة يحذف جزمًا.قال أبُو البقاء: ولَيْست لام الأمْر؛ لأنه لَمْ يَجْزِم الفعل.قال شهاب الدِّين: قد ثبت حَرْف العِلَّة جَزْمًا في المُتَواتِر، فمنها: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: 12] {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ الله} [يوسف: 90] {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} [الأعلى: 6] {لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تخشى} [طه: 77] وفي كُلِّ ذلك تَأويلات سَتَقِف عَلَيْها- إن شاء الله تعالى- فتلكن هذه القراءة الشَّاذَّة مثل هذه المَوَاضِع، والقولُ بكون لام {لتصغى} لام كَيْ سُكِنت؛ لِتَوالي الحَرَكات واللاَّمين بَعْدَها لامَيْ أمْر بعيدٌ وتَشَهٍّ.وقال النَّحَّاس: ويُقْرأ: {ولْيَقْتَرِفُوا} يعني بالسُّكُون، قال: وفيه مَعْنى التَّهْديد.يريد: أنَّه أمر تَهْديد؛ كقوله: {اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40] ولم يحك التَّسْكِين في {لِتَصْغَى}، ولا في {لِتَرْضَوه}.و{مَا} في {ما هم مُقْتَرِفون} مَوْصُولة اسميَّة، أو نكرة مَوْصُوفة مصدريَّة، والعَائِد على كلا القولَين الأولين مَحْذُوف، أى: ما هم مُقْتَرِفُوه.وقال أبُو البقاء: وأثبت النُّون لما حُذِفَت الهاء يريد: أن الضَّمير المتَّصِل باسم الفاعل المُثَنًّى والمجموع على حَدِّه، تُحْذَفُ له نُون التَّثْنِيَة والجمع، نحو: هَذَانِ ضَارِبَاه وهؤلاء ضَارِبُوه فغذا حذفَ الضَّمِير، وقد ثَبَتت؛ قال القائل: [الطويل] وقال القائل في ذلك: [الطويل] والاقْتِرَاف: الاكْتِساب، واقترف فُلان لأهْله، أي: اكْتَسَب، وأكثر ما يُقَال في الشَّرِّ والذَّنْب، ويطْلَق في الخَيْر، قال تعالى: {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} [الشورى: 23].وقال ابن الأنْبَارِيِّ: قَرَفَ واقْتَرَفَ: اكتسب وأنْشَد في ذلك: [الطويل] وأصل القِرْفِ والاقْتِرَاف: قِشْرُ لحاء الشَّجر، والجِلْدَةُ من أعَلَى الحرج وا يؤخَذُ منه قَرف، ثُمَّ استُعِير الاقْتِرَاف للاكْتِسَاب حَسَنًا كان، أو سِّئًا وفي السيّئ أكثر اسْتِعْملًا وقارف فلان أمْرًا: تَعَاطى ما يُعَاب به.وقيل: الاعْتراف يُزِيل الاقْتِرَاف، ورجل مُقْرِف، أي: هجين: قال الشَّاعر: [الرمل] وقَرَفْتُه بكذا: اتَّهَمْتُه، أو عِبْتُه به، وقارف الذَّنْب وعَبَره، إذا أتَاه ولا صقَهُ، وقارف امْرَأتَهُ، وإذا جَامَعها، والمُقْتَرِف من الخَيْل: الهَجِين، وهو الَّذي أمُّه برذون، وأبُوه عَرَبِيّ.وقيل: بالعَكْس.وقيل: هُو الَّذي دان الهجنة وقَارَفَها، ومن حَدِيب عُمَر رضي الله عنه: كتب إلى أبِي مُوسى في البَراذِين ما قَارفَ العِتَاق مِنْهَا، فأجْعَل لَهُ منهما واحٍدًا، أي: قَارَبَهَا ودَانَاهَا، نقله ابن الأثير. اهـ.
|